فصل: أَحَدُهَا: (الْإِسْلَامُ وَ) الثَّانِي (الْعَقْلُ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.كِتَابِ الْحَجِّ:

بِفَتْحِ الْحَاءِ لَا بِكَسْرِهَا فِي الْأَشْهَرِ وَعَكْسُهُ: شَهْرُ الْحِجَّةِ وَأُخِّرَ الْحَجُّ عَنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عِمَادُ الدِّينِ وَلِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا لِتَكَرُّرِهَا كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ ثُمَّ الزَّكَاةُ لِكَوْنِهَا قَرِينَةً لَهَا فِي أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ وَلِشُمُولِهَا الْمُكَلَّفِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ الصَّوْمُ لِتَكَرُّرِهِ كُلَّ سَنَةٍ لَكِنَّ الْبُخَارِيَّ قَدَّمَ رِوَايَةَ الْحَجِّ عَلَى الصَّوْمِ لِلتَّغْلِيظَاتِ الْوَارِدَةِ فِيهِ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ} وَنَحْوُ: «فَلْيَمُتْ إنْ شَاءَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا» وَلِعَدَمِ سُقُوطِهِ بِالْبَدَلِ بَلْ يَجِبُ الْإِتْيَانُ بِهِ إمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَتُرْجِمَ فِي الْمُقْنِعِ وَغَيْرِهِ بِالْمَنَاسِكِ، وَهِيَ جَمْعُ مَنْسَكٍ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا فَبِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ وَبِالْكَسْرِ اسْمٌ لِمَوْضِعِ الْعِبَادَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّسِيكَةِ وَهِيَ الذَّبِيحَةُ الْمُتَقَرَّبُ بِهَا ثُمَّ اتَّسَعَ فِيهِ فَصَارَ اسْمًا لِلْعِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْعَابِدِ: نَاسِكٌ وَقَدْ غَلَبَ إطْلَاقُهَا عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ لِكَثْرَةِ أَنْوَاعِهَا وَلِمَا تَتَضَمَّنُهُ كَثْرَةَ الذَّبَائِحِ الْمُتَقَرَّبِ بِهَا (وَهُوَ) أَيْ: الْحَجُّ لُغَةً الْقَصْدُ إلَى مَنْ تُعَظِّمُهُ، (وَشَرْعًا قَصْدُ مَكَّةَ لِلنُّسُكِ فِي زَمَنٍ مَخْصُوصٍ) يَأْتِي بَيَانُهُ (وَهُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ) وَمَبَانِيهِ الْمُشَارِ إلَيْهَا بِحَدِيثِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» وَتَقَدَّمَ.
(وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كُلَّ عَامٍ) عَلَى مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عَيْنًا نَقَلَهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى عَنْ الرِّعَايَةِ ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ قَوْلِ الْأَصْحَابِ، وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ لِلْوَالِدِ وَالْأُمِّ مَنْعَ الْوَلَدِ مِنْ حَجِّ النَّفْلِ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ لَهُمَا مَنْعَهُ مِنْ الْجِهَادِ مَعَ كَوْنِهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ فَالتَّطَوُّعَاتُ أَوْلَى ا هـ يَعْنِي عَلَى كَلَامِ الرِّعَايَةِ: لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَقَعَ الْحَجُّ نَفْلًا إلَّا مِنْ صَغِيرٍ أَوْ رَقِيقٍ بَلْ إمَّا فَرْضُ عَيْنٍ أَوْ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَهُوَ مُشْكِلٌ وَقَدْ تَبِعَهُ أَيْضًا صَاحِبُ الْمُنْتَهَى.
(وَفُرِضَ سَنَةَ تِسْعٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ) مِنْ الْعُلَمَاءِ وَقِيلَ: سَنَةَ عَشْرٍ وَقِيلَ: سِتٍّ وَقِيلَ: خَمْسٍ وَالْأَصْلُ فِي فَرِيضَتِهِ: قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا} (وَلَمْ يَحُجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بَعْدَ هِجْرَتِهِ (إلَى الْمَدِينَةِ) سِوَى حَجَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ (قَالَ الْقَاضِي: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ «لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَّعَ النَّاسَ فِيهَا، وَقَالَ لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» أَوْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعُدْ إلَى مَكَّةَ بَعْدَهَا (وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا كَانَتْ سَنَةَ عَشْرٍ) مِنْ الْهِجْرَةِ (وَكَانَ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ (قَارِنًا نَصًّا).
قَالَ أَحْمَدُ لَا أَشُكَّ أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا وَالْمُتْعَةُ أَحَبُّ إلَيَّ ا هـ وَاسْتُدِلَّ لَهُ بِمَا رَوَى أَنَسٌ «سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ عُمَرُ: «سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ: أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ».
وَفِي رِوَايَةٍ «قُلْ: عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ» رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ «وَاعْتَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعًا بَعْدَ الْهِجْرَةِ» قَالَ أَنَسٌ «حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةً وَاحِدَةً وَاعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَ كُلُّهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ: عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ وَعُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ وَعُمْرَةَ الْجِعْرَانَةِ حِينَ قَسَمَ غَنِيمَةَ حُنَيْنٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ أَحْمَدُ وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ حَجَّ قَبْلَ ذَلِكَ حَجَّةً وَمَا هُوَ ثَبْتٌ عِنْدِي وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ حِجَجٍ: حَجَّتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ وَحَجَّةً بَعْدَ مَا هَاجَرَ» وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ قَالَهُ فِي الْمُغْنِي.
(وَالْعُمْرَةُ) لُغَةً الزِّيَارَةُ يُقَالُ: اعْتَمَرَهُ إذَا زَارَهُ، وَشَرْعًا (زِيَارَةُ الْبَيْتِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ) يَأْتِي بَيَانُهُ (وَتَجِبُ) الْعُمْرَةُ (عَلَى الْمَكِّيِّ كَغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَكِّيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ «يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ مِنْ جِهَادٍ؟ قَالَ: نَعَمْ عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
وَعَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ أَنَّهُ «أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَلَا الْعُمْرَةَ وَلَا الظَّعْنَ قَالَ: حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَلِأَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى إحْرَامٍ وَطَوَافٍ وَسَعْيٍ فَكَانَتْ وَاجِبَةً كَالْحَجِّ، وَأَمَّا بَعْضُ الْأَحَادِيثِ الْمَسْكُوتِ فِيهَا عَنْهَا فَلِأَنَّ اسْمَ الْحَجِّ يَتَنَاوَلُهَا، رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
وَفِي كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ «إنَّ الْعُمْرَةَ الْحَجُّ الْأَصْغَرُ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا «الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ» فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، (وَنَصُّهُ: لَا) تَجِبُ عَلَى الْمَكِّيِّ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَنَصُّ مَا فِي الْمُغْنِي: أَنَّ رُكْنَ الْعُمْرَةِ وَمُعْظَمَهَا: الطَّوَافُ قَالَ أَحْمَدُ: «كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَرَى الْعُمْرَةَ وَاجِبَةً وَيَقُولُ: يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ عُمْرَةٌ إنَّمَا عُمْرَتُكُمْ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ» وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَتَأَوَّلَهَا الْقَاضِي عَلَى أَنَّهُ نَفَى عَنْهُمْ دَمَ التَّمَتُّعِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ ا هـ.
وَفِي الشَّرْحِ: وَحَمَلَ الْقَاضِي كَلَامَ أَحْمَدَ عَلَى أَنَّهُ لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِمْ مَعَ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ يَتَقَدَّمُ مِنْهُمْ فِعْلُهَا فِي غَيْرِ وَقْتِ الْحَجِّ وَأَجَابَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ عَمَّا تَقَدَّمَ: بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَطُفْ، وَمَنْ طَافَ يَجِبُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ عَنْهَا كَالْآفَاقِيِّ.
(وَيَجِبَانِ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً وَاحِدَةً) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ «يَأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلُّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْحَجُّ فَقَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، فَقَالَ: أَفِي كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَوْ قُلْتُهَا لَوَجَبَتْ وَلَوْ وَجَبَتْ لَمْ تَعْمَلُوا بِهَا وَلَمْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا، الْحَجُّ مَرَّةٌ، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ (عَلَى الْفَوْرِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَصَّ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْثَمُ إنْ أَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ لِلْفَوْرِ وَيُؤَيِّدُهُ: خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا قَالَ «تَعَجَّلُوا إلَى الْحَجِّ يَعْنِي الْفَرِيضَةَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِط يَرْفَعُهُ قَالَ «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَمْ يَمْنَعْهُ مَرَضٌ حَابِسٌ وَلَا سُلْطَانٌ جَائِرٌ أَوَحَاجَةٌ ظَاهِرَةٌ فَلْيَمُتْ عَلَى أَيِّ حَالٍ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا» رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ وَلِأَنَّهُ أَحَدُ مَبَانِي الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُهُ إلَى غَيْرِ وَقْتٍ مُعَيَّنٍ كَبَقِيَّةِ الْمَبَانِي بَلْ أَوْلَى، وَأَمَّا تَأْخِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَجَّ فُرِضَ سَنَةَ تِسْعٍ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ فِي آخِرِهَا، أَوْ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَطْلَعَ نَبِيَّهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمُوتُ حَتَّى يَحُجَّ فَيَكُونُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ الْإِدْرَاكِ قَالَهُ أَبُو زَيْدٍ الْحَنَفِيُّ أَوْ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ أَوْ حَاجَةِ خَوْفٍ فِي حَقِّهِ مَنَعَهُ مِنْ الْخُرُوجِ وَمَنَعَ أَكْثَرَ أَصْحَابِهِ خَوْفًا عَلَيْهِ، أَوْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِهَ لَهُ الْحَجَّ مَعَ الْمُشْرِكِينَ عُرَاةً حَوْلَ الْبَيْتِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ.

.شروط وجوب الحج:

(بِخَمْسَةِ شُرُوطٍ).

.أَحَدُهَا: (الْإِسْلَامُ وَ) الثَّانِي (الْعَقْلُ):

وَهُمَا شَرْطَانِ لِلْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ (فَلَا يَجِبُ) حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ (عَلَى كَافِرٍ وَلَوْ مُرْتَدًّا)؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ وَهُوَ مُنَافٍ لَهُ (وَيُعَاقَبُ) الْكَافِرُ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْحَجِّ وَكَذَا الْعُمْرَةُ (وَعَلَى سَائِرِ فُرُوعِ الْإِسْلَامِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ) كَالتَّوْحِيدِ إجْمَاعًا (وَتَقَدَّمَ مُوَضَّحًا)، وَلَا يَجِبُ (الْحَجُّ) عَلَيْهِ (وَمِثْلُهُ الْعُمْرَةُ بِاسْتِطَاعَتِهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَقَطْ) بِأَنْ اسْتَطَاعَ زَمَنَ الرِّدَّةِ دُونَ زَمَنِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ زَمَنَ الرِّدَّةِ (وَلَا تَبْطُلُ اسْتِطَاعَتُهُ) فِي إسْلَامِهِ (بِرِدَّتِهِ) بَلْ يَثْبُتُ الْحَجُّ فِي ذِمَّتِهِ إذَا عَادَ لِلْإِسْلَامِ.
(وَإِنْ حَجَّ) وَاعْتَمَرَ (ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ لَمْ يَلْزَمْهُ حَجٌّ) وَلَا عُمْرَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يَجِبَانِ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً.
وَقَدْ أَتَى بِهِمَا وَرِدَّتُهُ بَعْدَهُمَا لَا تُبْطِلُهُمَا إذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ كَسَائِرِ عِبَادَاتِهِ (وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَلَا يَصِحُّ) الْحَجُّ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْكَافِرِ وَلَوْ مُرْتَدًّا وَكَذَا الْعُمْرَةُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عِبَادَةٌ مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ وَهِيَ لَا تَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ.
(وَيَبْطُلُ إحْرَامُهُ وَيَخْرُجُ مِنْهُ بِرِدَّتِهِ فِيهِ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} وَكَالصَّوْمِ، (وَلَا يَجِبُ) الْحَجُّ (عَلَى الْمَجْنُونِ) كَالْعُمْرَةِ لِحَدِيثِ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ».
(وَلَا يَصِحُّ) الْحَجُّ (مِنْهُ) أَيْ الْمَجْنُونِ وَلَا الْعُمْرَةُ (إنْ عَقَدَهُ بِنَفْسِهِ) أَوْ عَقَدَهُ لَهُ وَلِيُّهُ (كَالصَّوْمِ).
وَإِنَّمَا صَحَّ مِنْ الصَّغِيرِ دُونَ التَّمْيِيزِ إذَا عَقَدَهُ لَهُ وَلِيُّهُ لِلنَّصِّ (وَلَا تَبْطُلُ اسْتِطَاعَتُهُ بِجُنُونِهِ) فَيَحُجُّ عَنْهُ، (وَلَا) يَبْطُلُ (إحْرَامُهُ بِهِ) أَيْ:
بِالْجُنُونِ (كَالصَّوْمِ) لَا يَبْطُلُ بِالْجُنُونِ (وَلَا يَبْطُلُ الْإِحْرَامُ بِالْإِغْمَاءِ وَالْمَوْتِ وَالسُّكْرِ) كَالنَّوْمِ، (وَ):

.الشَّرْطُ الثَّالِثُ (الْبُلُوغُ وَ) الرَّابِعُ (الْحُرِّيَّةُ):

أَيْ: كَمَالُهَا، وَهُمَا شَرْطَانِ لِلْوُجُوبِ وَالْإِجْزَاءِ فَقَطْ (فَلَا يَجِبُ) الْحَجُّ وَلَا الْعُمْرَةُ (عَلَى الصَّغِيرِ) لِلْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ (وَلَا عَلَى قِنٍّ)؛ لِأَنَّ مُدَّتَهُمَا تَطُولُ فَلَمْ يَجِبَا عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ السَّيِّدِ كَالْجِهَادِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ الشَّهَادَةُ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
(وَكَذَا مُكَاتَبٌ وَمُدَبَّرٌ وَأُمُّ وَلَدٍ وَمُعْتَقٌ بَعْضُهُ) وَمُعَلَّقٌ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، (وَيَصِحُّ) الْحَجُّ (مِنْهُمْ) كَالْعُمْرَةِ أَيْ: مِنْ الصَّغِيرِ وَالْقِنِّ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقِ بَعْضُهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَبِيًّا فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَالْعَبْدُ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ فَصَحَّا مِنْهُ كَالْحُرِّ، (وَلَا يُجْزِئُ) حَجُّهُمْ (عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيُّمَا صَبِيٍّ حَجَّ ثُمَّ بَلَغَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى، وَأَيُّمَا عَبْدٍ حَجَّ ثُمَّ عَتَقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: لَمْ يَرْفَعْهُ إلَّا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ شُعْبَةَ وَهُوَ ثِقَةٌ؛ وَلِأَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ قَبْلَ وُجُوبِهِ فَلَمْ يُجْزِئْهُمْ إذَا صَارُوا مِنْ أَهْلِهِ كَالصَّبِيِّ يُصَلِّي ثُمَّ يَبْلُغُ فِي الْوَقْتِ وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ إلَّا شُذُوذًا، بَلْ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعًا (إلَّا أَنْ يُسْلِمَ) الْكَافِرُ (أَوْ يُفِيقَ) الْمَجْنُونُ ثُمَّ يُحْرِمُ قَبْلَ الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ، أَوْ بَعْدَهُ إنْ عَادَ فَوَقَفَ فِي وَقْتِهِ ثُمَّ أَتَمَّ حَجَّهُ (أَوْ يَبْلُغُ) الصَّغِيرُ (أَوْ يُعْتَقُ) الْقِنُّ أَوْ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْمُدَبَّرُ أَوْ أُمُّ الْوَلَدِ (فِي الْحَجِّ قَبْلَ الْخُرُوجِ مِنْ عَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ (قَبْلَ فَوَاتِ وَقْتِهِ) أَيْ: الْوُقُوفِ (إنْ عَادَ فَوَقَفَ) فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّهُمَا أَتَيَا بِالنُّسُكِ حَالَ الْكَمَالِ فَأَجْزَأَهُمَا كَمَا لَوْ وُجِدَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَاسْتَدَلَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: «إذَا عَتَقَ الْعَبْدُ بِعَرَفَةَ أَجْزَأَتْ عَنْهُ حَجَّتُهُ وَإِنْ عَتَقَ بِجَمْعٍ أَيْ: مُزْدَلِفَةَ لَمْ تُجْزِ عَنْهُ».
(وَيَلْزَمُهُ) أَيْ الْقِنَّ إذَا عَتَقَ بَعْدَ الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ فَوَاتِ وَقْتِهِ (الْعَوْدُ) إلَى عَرَفَةَ فِي وَقْتِ الْوُقُوفِ (إنْ أَمْكَنَهُ) الْعَوْدُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) تُجْزِئُ عُمْرَتُهُمْ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ أَوْ يُفِيقَ أَوْ يَبْلُغَ أَوْ يُعْتَقَ (فِي الْعُمْرَةِ قَبْلَ طَوَافِهَا) أَيْ الشُّرُوعِ فِيهِ (فَيُجْزِئُهُمْ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(قَالَ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ فِي إحْرَامِ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ: إنَّمَا يُعْتَدُّ بِإِحْرَامٍ وَوُقُوفٍ مَوْجُودَيْنِ إذَنْ) أَيْ: حِينَ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ، (وَمَا قَبْلَهُ) مِنْ الْإِحْرَامِ وَالْوُقُوفِ (تَطَوُّعٌ لَمْ يَنْقَلِبْ فَرْضًا) وَلَا اعْتِدَادَ بِهِ وَقَدَّمَهُ فِي التَّنْقِيحِ وَالْمُنْتَهَى.
(وَقَالَ الْمَجْدُ وَجَمْعٌ) مِنْهُمْ صَاحِبُ الْخِلَافِ وَالِانْتِصَارِ (يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ مَوْقُوفًا) فَإِذَا تَغَيَّرَ حَالُهُ (بِالْبُلُوغِ أَوْ الْعِتْقِ) تَبَيَّنَ فَرْضِيَّتُهُ (كَزَكَاةٍ مُعَجَّلَةٍ)، وَلَوْ سَعَى قِنٌّ أَوْ صَغِيرٌ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ وَقَبْلَ الْوُقُوفِ وَحَصَلَ الْعِتْقُ وَالْبُلُوغُ وَقُلْنَا: السَّعْيُ رُكْنٌ وَهُوَ الْمَذْهَبُ لَمْ يُجْزِئْهُ (الْحَجُّ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ) لِوُقُوعِ الرُّكْنِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْوُجُوبِ أَشْبَهَ مَا لَوْ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ ثُمَّ بَلَغَ، فَعَلَى هَذَا لَا يُجْزِئُهُ، (وَلَوْ أَعَادَ السَّعْيَ) بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ؛ (لِأَنَّهُ لَا يُشْرَعُ مُجَاوَزَةُ عَدَدٍ وَلَا تَكْرَارِهِ وَخَالَفَ الْوُقُوفَ) مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إذَا بَلَغَ أَوْ عَتَقَ بَعْدَهُ وَأَعَادَهُ فِي وَقْتِهِ يُجْزِئُهُ،
(إذْ هُوَ مَشْرُوعٌ) أَيْ اسْتِدَامَتُهُ مَشْرُوعَةٌ (وَلَا قَدْرَ لَهُ مَحْدُودٌ وَقِيلَ: يُجْزِئُهُ إذَا أَعَادَ السَّعْيَ) لِحُصُولِ الرُّكْنِ الْأَعْظَمِ وَهُوَ الْوُقُوفُ وَتَبَعِيَّةُ غَيْرِهِ لَهُ.
وَلَا تُجْزِئُ الْعُمْرَةُ مَنْ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ فِي طَوَافِهَا، وَإِنْ أَعَادَهُ وِفَاقًا.
(وَيُحْرِمُ الْمُمَيِّزُ بِنَفْسِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ)؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ وُضُوءُهُ فَصَحَّ إحْرَامُهُ كَالْبَالِغِ؛ وَلِأَنَّ الْعِبَادَاتِ أَحَدُ نَوْعَيْ الْعُقُودِ فَكَانَ مِنْهُ مَا يَعْقِدُهُ الْمُمَيِّزُ لِنَفْسِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ كَالْبَيْعِ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ: وَلِيِّ الْمُمَيِّزِ (تَحْلِيلُهُ) إذَا أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ كَالْبَالِغِ.
(وَلَا يَصِحُّ) إحْرَامُهُ (بِغَيْرِ إذْنِهِ) أَيْ: إذْنِ وَلِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى لُزُومِ مَا لَمْ يَلْزَمْ فَلَمْ يَنْعَقِدْ بِنَفْسِهِ كَالْبَيْعِ وَلَا يُحْرِمُ الْوَلِيُّ عَنْ الْمُمَيِّزِ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ الدَّلِيلِ (وَغَيْرُ الْمُمَيِّزِ يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ) أَيْ: يَعْقِدُ لَهُ الْإِحْرَامَ لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ: «حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَنَا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَأَحْرَمْنَا عَنْ الصِّبْيَانِ» رَوَاهُ سَعِيدٌ فَيَعْقِدُ لَهُ وَلِيُّهُ الْإِحْرَامَ (وَلَوْ كَانَ الْوَلِيُّ مُحْرِمًا أَوْ) كَانَ الْوَلِيُّ (لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ) كَمَا يَعْقِدُ لَهُ النِّكَاحَ وَلَوْ كَانَ مَعَ الْوَلِيِّ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ (وَهُوَ) أَيْ: الْوَلِيُّ (مَنْ يَلِي مَالَهُ) مِنْ أَبٍ وَوَصِيٍّ وَحَاكِمٍ (وَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ الْوَلِيِّ مِنْ الْأَقَارِبِ) كَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُمْ لَهُ وَلَا شِرَاؤُهُمْ وَظَاهِرُ رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: يَصِحُّ مِنْ الْأُمِّ أَيْضًا اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَتَقَدَّمَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ يَقْبِضُ لَهُ الزَّكَاةَ وَالْكَفَّارَةَ مَنْ يَلِيه فَيَنْبَغِي هُنَا كَذَلِكَ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ السَّابِقِ (وَمَعْنَى إحْرَامِهِ) أَيْ: الْوَلِيُّ (عَنْهُ) أَيْ: عَمَّنْ لَمْ يُمَيِّزْ (عَقْدُهُ الْإِحْرَامَ لَهُ فَيَصِيرُ الصَّغِيرُ بِذَلِكَ مُحْرِمًا) كَمَا يَعْقِدُ لَهُ النِّكَاحَ فَيَصِيرُ الصَّغِيرُ زَوْجًا (دُونَ الْوَلِيِّ)؛ وَلِهَذَا صَحَّ مِنْ وَلِيِّهِ وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا أَوْ لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ.
(وَكُلُّ مَا أَمْكَنَهُ) أَيْ: الصَّغِيرُ مُمَيِّزًا كَانَ أَوْ دُونَهُ (فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ كَالْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ (وَالْمَبِيتِ) بِمُزْدَلِفَةَ وَلَيَالِي مِنًى (لَزِمَهُ) فِعْلُهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُفْعَلَ عَنْهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، (سَوَاءٌ حَضَرَهُ الْوَلِيُّ فِيهِمَا) أَيْ: الْوُقُوفِ وَالْمَبِيتِ (أَوْ غَيْرُهُ) أَيْ: غَيْرُ الْوَلِيِّ أَوْ لَمْ يَحْضُرْهُ أَحَدٌ، (وَمَا عَجَزَ عَنْهُ) الصَّغِيرُ (فَعَلَهُ عَنْهُ الْوَلِيُّ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ «لَبَّيْنَا عَنْ الصِّبْيَانِ وَرَمَيْنَا عَنْهُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الرَّمْي وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ طَافَ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فِي خِرْقَةٍ رَوَاهُمَا الْأَثْرَمُ، (لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَ عَنْهُ) أَيْ: عَنْ الصَّغِيرِ (إلَّا مَنْ رَمَى عَنْ نَفْسِهِ كَمَا فِي النِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ مُحْرِمًا) بِفَرْضِهِ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى، وَإِنْ رَمَى عَنْ الصَّغِيرِ أَوَّلًا (وَقَعَ) الرَّمْيُ (عَنْ نَفْسِهِ) كَمَنْ أَحْرَمَ عَنْ غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ (الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ) الْوَلِيُّ (حَلَالًا لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ) أَيْ: بِرَمْيِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ لِنَفْسِهِ رَمْيٌ فَلَا يَصِحُّ عَنْ غَيْرِهِ.
(وَإِنْ أَمْكَنَ الصَّبِيَّ أَنْ يُنَاوِلَ النَّائِبَ الْحَصَى نَاوَلَهُ) إيَّاهُ وَإِلَّا (اُسْتُحِبَّ أَنْ تُوضَعَ الْحَصَاةُ فِي كَفِّهِ ثُمَّ تُؤْخَذُ مِنْهُ فَتُرْمَى عَنْهُ، فَإِنْ وَضَعَهَا النَّائِبُ فِي يَدِهِ وَرَمَى بِهَا عَنْهُ فَجَعَلَ يَدَهُ كَالْآلَةِ فَحَسَنٌ) لِيُوجَدَ مِنْهُ نَوْعُ عَمَلٍ.
(وَإِنْ أَمْكَنَهُ) أَيْ: الصَّغِيرُ (أَنْ يَطُوفَ) مَاشِيًا (فَعَلَهُ) كَالْكَبِيرِ (وَإِلَّا طِيفَ بِهِ مَحْمُولًا) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِ أَبِي بَكْرٍ (أَوْ رَاكِبًا) كَالْمَرِيضِ.
(وَيَصِحُّ طَوَافُ الْحَلَالِ بِهِ) أَيْ: بِالصَّغِيرِ (وَ) طَوَافُ (الْمُحْرِمِ) بِهِ (طَافَ) الْمُحْرِمُ (عَنْ نَفْسِهِ أَوَّلًا) أَيْ: أَوْ لَمْ يَطُفْ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الرَّمْيِ، وَأَشَارَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ (لِوُجُودِ الطَّوَافِ مِنْ الصَّبِيِّ كَمَحْمُولِ مَرِيضٍ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْحَامِلِ إلَّا النِّيَّةُ كَحَالَةِ الْإِحْرَامِ) بِخِلَافِ الرَّمْيِ (الرَّمْيُ وَتُعْتَبَرُ النِّيَّةُ مِنْ الطَّائِفِ بِهِ).
قُلْتُ: وَلَعَلَّهُ إذَا كَانَ دُونَ التَّمْيِيزِ وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ مِنْهُ كَالْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الرَّمْيِ (وَيَأْتِي فِي بَابِ دُخُولِ مَكَّةَ وَ) يُعْتَبَرُ أَيْضًا (كَوْنُهُ مِمَّنْ يَصِحُّ أَنْ يُعْقَدَ لَهُ الْإِحْرَامُ) بِأَنْ يَكُونَ وَلِيًّا لَهُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ تُعْتَبَرُ لَهُ النِّيَّةُ، فَلَمَّا تَعَذَّرَتْ مِنْ الصَّغِيرِ اُعْتُبِرَتْ مِمَّنْ لَهُ النِّيَابَةُ عَنْهُ بِالشَّرْعِ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ وَالْمَبِيتِ (فَإِنْ نَوَى) الطَّائِفُ بِالصَّغِيرِ (الطَّوَافَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ الصَّبِيِّ وَقَعَ) الطَّوَافُ (عَنْ الصَّبِيِّ كَالْكَبِيرِ يُطَافُ بِهِ مَحْمُولًا لِعُذْرٍ)؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ فِعْلٌ وَاحِدٌ لَا يَصِحُّ وُقُوعُهُ عَنْ اثْنَيْنِ.
(وَنَفَقَةُ الْحَجِّ الَّتِي تَزِيدُ عَلَى نَفَقَةِ الْحَضَرِ وَكَفَّارَتُهُ: فِي مَالِ وَلِيِّهِ إنْ كَانَ وَلِيُّهُ أَنْشَأَ السَّفَرَ بِهِ تَمْرِينًا عَلَى الطَّاعَةِ)؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِيهِ وَكَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ: وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّمَرُّنِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْعُمْرِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَقَدْ لَا يَجِبُ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ نَفَقَةَ الْحَضَرِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا مُقِيمًا كَانَ أَوْ مُسَافِرًا.
، (وَأَمَّا سَفَرُ الصَّبِيِّ مَعَهُ) أَيْ: مَعَ الْوَلِيِّ (لِتِجَارَةٍ أَوْ خِدْمَةٍ أَوْ إلَى مَكَّةَ لِيَسْتَوْطِنَهَا أَوْ لِيُقِيمَ بِهَا لِعِلْمٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُبَاحُ لَهُ) أَيْ: الْوَلِيِّ (السَّفَرُ بِهِ) أَيْ: الصَّبِيِّ (فِي وَقْتِ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ وَمَعَ الْإِحْرَامِ وَعَدَمِهِ، فَلَا نَفَقَةَ عَلَى الْوَلِيِّ) بَلْ هِيَ عَلَى الصَّبِيِّ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ (وَعَمْدُهُ) أَيْ: الصَّبِيُّ (وَهُوَ وَمَجْنُونٌ: خَطَأٌ) لِعَدَمِ صِحَّةِ قَصْدِهِمَا (فَلَا يَجِبُ بِفِعْلِهِمَا شَيْءٌ إلَّا فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِي خَطَأٍ وَنِسْيَانٍ) كَإِزَالَةِ الشَّعْرِ وَتَقْلِيمِ الظُّفْرِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ وَالْوَطْءِ بِخِلَافِ الطِّيبِ وَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ.
(وَإِنْ فَعَلَ بِهِمَا الْوَلِيُّ فِعْلًا لِمَصْلَحَةٍ كَتَغْطِيَةِ رَأْسِهِ) أَيْ الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ الْمُحْرِمِ (لِبَرْدٍ) أَوْ حَرٍّ (أَوْ تَطْيِيبِهِ لِمَرَضٍ أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ) لِأَذًى، (فَكَفَّارَتُهُ عَلَى الْوَلِيِّ أَيْضًا) لَعَلَّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَلِيُّ أَنْشَأَ السَّفَرَ بِهِ تَمْرِينًا عَلَى الطَّاعَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَافَرَ بِهِ لِتِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا فَهُوَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ كَمَا لَوْ فَعَلَهُ الصَّبِيُّ نَفْسُهُ.
هَذَا مُقْتَضَى مَا نَقَلَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُبْدِعِ وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى عَنْ الْمَجْدِ، وَاقْتَصَرُوا عَلَيْهِ فَأَمَّا إنْ فَعَلَهُ الْوَلِيُّ لَا لِعُذْرٍ فَكَفَّارَتُهُ عَلَيْهِ بِكُلِّ حَالٍ كَمَنْ حَلَقَ رَأْسَ مُحْرِمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ، (وَإِنْ وَجَبَ فِي كَفَّارَةِ صَوْمٍ صَامَ الْوَلِيُّ) قَالَهُ فِي التَّنْقِيحِ.
وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ وَالْإِنْصَافِ: حَيْثُ أَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ عَلَى الْوَلِيِّ بِسَبَبِ الصَّبِيِّ وَدَخَلَهَا الصَّوْمُ صَامَ عَنْهُ لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ ابْتِدَاءً انْتَهَى أَيْ فَصَوْمُ الْوَلِيِّ عَنْ نَفْسِهِ لَا بِالنِّيَابَةِ عَنْ الصَّبِيِّ إذْ الصَّوْمُ الْوَاجِبُ بِالشَّرْعِ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ.
وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الصَّبِيِّ وَوَجَبَ فِيهَا صَوْمٌ لَمْ يَصُمْ الْوَلِيُّ عَنْهُ، بَلْ يَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يَبْلُغَ، فَإِنْ مَاتَ أُطْعِمَ عَنْهُ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ، وَهَذَا مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَيْضًا فِي الْمُبْدِعِ وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى.
(وَوَطْءِ الصَّبِيِّ كَوَطْءِ الْبَالِغِ نَاسِيًا يُمْضِي فِي فَاسِدِهِ وَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بَعْدَ الْبُلُوغِ نَصًّا)، وَلَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إفْسَادٌ لِإِحْرَامٍ لَازِمٍ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْقَضَاءِ، وَنِيَّةُ الصَّبِيِّ تَمْنَعُ التَّكْلِيفَ بِفِعْلِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ لِضَعْفِهِ عَنْهَا، وَنَظِيرُ ذَلِكَ وُجُودُ الِاحْتِلَامِ أَوْ الْوَطْءِ مِنْ الْمَجْنُونِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ عَلَيْهِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ الْإِفَاقَةِ لِفَقْدِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْغُسْلِ فِي الْحَالِ، (وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا تَحَلَّلَ الصَّبِيُّ مِنْ إحْرَامِهِ لِفَوَاتِ) وَقْتِ الْوُقُوفِ فَإِنَّهُ يَقْضِيهِ إذَا بَلَغَ.
وَفِي الْهَدْيِ: التَّفْصِيلُ السَّابِقُ (أَوْ) تَحَلُّلُ الصَّبِيِّ (لِإِحْصَارٍ)، وَقُلْنَا: يَجِبُ الْقَضَاءُ فَيَقْضِيهِ إذَا بَلَغَ وَالْفِدْيَةُ عَلَى مَا سَبَقَ، وَيَأْتِي أَنَّ الْمُحْصَرَ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءٌ، (لَكِنْ إذَا أَرَادَ) الصَّبِيُّ (الْقَضَاءَ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَزِمَهُ أَنْ يُقَدِّمَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ عَلَى الْمَقْضِيَّةِ) كَالْمَنْذُورَةِ (فَلَوْ خَالَفَ وَفَعَلَ) بِأَنْ قَدَّمَ الْمَقْضِيَّةَ عَلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ.
(فَهُوَ كَ) الْحُرِّ (الْبَالِغِ يُحْرِمُ قَبْلَ الْفَرْضِ بِغَيْرِهِ) فَيُصْرَفُ فِعْله إلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ يَقْضِي بَعْدَ ذَلِكَ (وَمَتَى بَلَغَ) الصَّبِيُّ (فِي الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ) الَّتِي وَطِئَ فِيهَا (فِي حَالٍ يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْفَرْضِ لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً) بِأَنْ بَلَغَ وَهُوَ بِعَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ وَعَادَ فَوَقَفَ فِي وَقْتِهِ وَلَمْ يَكُنْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ (فَإِنَّهَا) أَيْ: الْحَالَ وَالْقِصَّةَ.
وَفِي نُسْخَةٍ فَإِنَّهُ أَيْ: الشَّأْنَ (يَمْضِي فِيهَا) أَيْ: فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ الَّتِي بَلَغَ فِي أَثْنَائِهَا (ثُمَّ يَقْضِيهَا) فَوْرًا، (وَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ) الْحَجُّ الْقَضَاءَ (عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَالْقَضَاءُ كَمَا يَأْتِي نَظِيرُهُ فِي الْعَبْدِ) إذَا عَتَقَ فِي الْحَالِ يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْفَرْضِ لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً؛؛ لِأَنَّ قَضَاءَهَا كَهِيَ فَيُجْزِئُ كَإِجْزَائِهَا لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً.
(وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ الْإِحْرَامُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) لِتَفْوِيتِ حَقِّهِ بِالْإِحْرَامِ (بِالْإِحْرَامِ وَلَا لِلْمَرْأَةِ الْإِحْرَامُ نَفْلًا إلَّا بِإِذْنِ زَوْجٍ) لِتَفْوِيتِ حَقِّهِ وَقَيَّدَهُ بِالنَّفْلِ مِنْهَا دُونَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَجٌّ بِحَالٍ بِخِلَافِهَا قَالَهُ ابْنُ النَّجَّارِ: وَمُرَادُهُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ النَّذْرُ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي لُزُومِهِ بِالنَّذْرِ لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فَصَحَّ نَذْرُهُ كَالْحُرِّ، وَيَأْتِي (فَإِنْ فَعَلَا) أَيْ: أَحْرَمَ الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ وَالزَّوْجِ (انْعَقَدَ) إحْرَامُهُمَا؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَصَحَّتْ بِغَيْرِ إذْنٍ كَالصَّوْمِ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَتَخَرَّجُ بُطْلَانُ إحْرَامِهِ لِغَصْبِهِ نَفْسَهُ، فَيَكُونُ قَدْ حَجَّ فِي بَدَنٍ غَصْبٍ فَهُوَ آكَدُ مِنْ الْحَجِّ بِمَالٍ غَصْبٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ لَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مُؤَثِّرٌ فَيَكُونُ هُوَ الْمَذْهَبُ، وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ فِي الِاعْتِكَافِ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَصِحُّ نَفْلُ آبِقٍ.
(وَلَهُمَا) أَيْ: السَّيِّدِ وَالزَّوْجِ (تَحْلِيلُهُمَا) أَيْ الْعَبْدِ وَالزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمَا لَازِمٌ فَمَلَكَا إخْرَاجَهُمَا مِنْ الْإِحْرَامِ كَالِاعْتِكَافِ (وَيَكُونَانِ) كَالْمَحْصَرِ؛ لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَاهُ، (فَلَوْ لَمْ تَقْبَلْ الْمَرْأَةُ تَحْلِيلَهُ أَثِمَتْ، وَلَهُ مُبَاشَرَتُهَا) وَكَذَا أَمَتُهُ الْمُبَاحَةُ لَهُ لَوْلَا الْإِحْرَامُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَعِبَارَةُ الْمُنْتَهَى وَيَأْثَمُ مَنْ لَمْ يَمْتَثِلْ وَهِيَ أَعَمُّ، (فَإِنْ كَانَ) إحْرَامُهُمَا (بِإِذْنِ) السَّيِّدِ وَالزَّوْجِ لَمْ يَجُزْ تَحْلِيلُهُمَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَ بِالشُّرُوعِ وَكَنِكَاحٍ وَرَهْنٍ (أَوْ أَحْرَمَا) أَيْ: الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ (بِنَذْرٍ أُذِنَ لَهُمَا فِيهِ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ) الزَّوْجُ (فِيهِ لِلْمَرْأَةِ لَمْ يَجُزْ تَحْلِيلُهُمَا) لِوُجُوبِهِ، كَمَا لَوْ أَحْرَمَتْ بِوَاجِبٍ بِأَصْلِ الشَّرْعِ (وَلِلسَّيِّدِ وَالزَّوْجِ الرُّجُوعُ فِي الْإِذْنِ) فِي الْإِحْرَامِ لِلْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ (قَبْلَ الْإِحْرَامِ) مِنْ الْعَبْدِ وَالزَّوْجَةِ كَالْوَاهِبِ يَرْجِعُ فِيمَا وَهَبَهُ قَبْلَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا بَعْدَهُ، (ثُمَّ إنْ عَلِمَ الْعَبْدُ بِرُجُوعِ سَيِّدِهِ عَنْ إذْنِهِ) لَهُ فِي الْإِحْرَامِ، (فَكَمَا لَوْ لَمْ يَأْذَنْ) السَّيِّدُ ابْتِدَاءً لِبُطْلَانِ الْإِذْنِ بِرُجُوعِهِ.
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِرُجُوعِهِ فِي الْإِذْنِ (فَالْخِلَافُ فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ قَبْلَ عِلْمِهِ) بِعَزْلِ مُوَكِّلِهِ لَهُ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ؛ فَيَكُونُ الْحُكْمُ هُنَا كَمَا لَوْ لَمْ يَأْذَنْ قُلْتُ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمَرْأَةِ فِي النَّفْلِ.
(وَيَلْزَمُ الْعَبْدَ حُكْمُ جِنَايَتِهِ) أَيْ: إتْيَانِهِ بِشَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ (كَحُرٍّ مُعْسِرٍ) لَا مَالَ لَهُ، (فَإِنْ مَاتَ) الْعَبْدُ (وَلَمْ يَصُمْ) مَا وَجَبَ عَلَيْهِ (فَلِسَيِّدِهِ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ) ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ، وَالْمُرَادُ: يُسَنُّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ.
(وَإِنْ أَفْسَدَ) قِنٌّ (حَجَّهُ بِالْوَطْءِ لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِيهِ) كَالْحُرِّ (وَ) لَزِمَهُ (الْقَضَاءُ) أَيْ: قَضَاءُ مَا أَفْسَدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ.
(وَيَصِحُّ) الْقَضَاءُ (فِي رِقِّهِ)؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ فِيهِ فَصَحَّ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ بِخِلَافِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، (وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ مِنْ الْقَضَاءِ إنْ كَانَ شُرُوعُهُ) أَيْ: الْقِنِّ (فِيمَا أَفْسَدَهُ بِإِذْنِهِ)؛ لِأَنَّ إذْنَهُ فِيهِ إذْنٌ فِي مُوجِبِهِ، وَمِنْ مُوجِبِهِ قَضَاءُ مَا أَفْسَدَهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَعَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِهِ فَلَهُ مَنْعُهُ مِنْهُ كَالنَّذْرِ.
(وَإِنْ عَتَقَ) الْقِنُّ (قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ: قَبْلَ الْقَضَاءِ (لَزِمَهُ أَنْ يَبْتَدِئَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ)؛ لِأَنَّهَا آكَدُ (فَإِنْ خَالَفَ) فَبَدَأَ بِالْقَضَاءِ (فَحُكْمُهُ كَالْحُرِّ يَبْدَأُ بِنَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ) فَيَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ يَقْضِي فِي الْقَابِلِ، (فَإِنْ عَتَقَ) الْقِنُّ (فِي الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ فِي حَالِ يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْفَرْضِ لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً) بِأَنْ عَتَقَ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ وَعَادَ فَوَقَفَ فِي وَقْتِهِ وَلَمْ يَكُنْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ (فَإِنَّهُ يَمْضِي فِيهَا) أَيْ: فِي الْحَجَّةِ الْفَاسِدَةِ كَالْحُرِّ (ثُمَّ يَقْضِيهَا) فَوْرًا (وَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ) الْحَجُّ (عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالْقَضَاءِ)، خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَهُ حُكْمُ الْأَدَاءِ.
(وَإِنْ تَحَلَّلَ) الْقِنُّ (لِحَصْرِ) عَدُوٍّ مَنَعَهُ الْحَرَمَ (أَوْ حَلَّلَهُ سَيِّدُهُ) لِعَدَمِ إذْنِهِ لَهُ (لَمْ يَتَحَلَّلْ قَبْلَ الصَّوْمِ) كَالْحُرِّ الْمُعْسِرِ إذَا أُحْصِرَ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ: السَّيِّدِ (مَنْعُهُ) أَيْ الْقِنِّ (مِنْهُ) أَيْ: الصَّوْمِ، نَصَّ عَلَيْهِ لِوُجُوبِهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ فَهُوَ كَرَمَضَانَ.
(وَإِذَا فَسَدَ حَجُّهُ) أَيْ: الْقِنُّ بِأَنْ وَطِئَ فِيهِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ (صَامَ) بَدَلَ الْبَدَنَةِ كَالْحُرِّ الْمُعْسِرِ، (وَكَذَا إنْ تَمَتَّعَ أَوْ قَرَنَ) فَإِنَّهُ يَصُومُ بَدَلَ الْهَدْيِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ: ثَلَاثَةً فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ؛ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ.
وَحُكْمُ الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَالْمُبَعَّضِ حُكْمُ الْقِنِّ فِيمَا ذَكَرَهُ، (وَلَوْ بَاعَهُ سَيِّدُهُ وَهُوَ) أَيْ: الْقِنُّ (مُحْرِمٌ فَمُشْتَرِيهِ كَبَائِعِهِ فِي تَحْلِيلِهِ) إذَا كَانَ إحْرَامُهُ بِغَيْرِ إذْنَ بَائِعِهِ.
(وَ) فِي عَدَمِهِ (أَيْ: عَدَمِ تَحْلِيلِهِ إذَا كَانَ بِإِذْنِ بَائِعِهِ) وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي إحْرَامٍ يَمْلِكُ الْبَائِعُ تَحْلِيلَهُ مِنْهُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي تَحْلِيلُهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي إحْرَامٍ لَا يَمْلِكُ الْبَائِعُ تَحْلِيلَهُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي تَحْلِيلُهُ، (وَلَهُ) أَيْ: لِلْمُشْتَرِي (فَسْخُ الْبَيْعِ إنْ لَمْ يَعْلَمَ) بِإِحْرَامِ الْقِنِّ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ مَنَافِعِهِ عَلَيْهِ مُدَّةَ الْحَجِّ (إلَّا أَنْ يَمْلِكَ بَائِعُهُ تَحْلِيلَهُ) فَيُحَلِّلُهُ الْمُشْتَرِي (إنْ شَاءَ) أَوْ يُبْقِيهِ وَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي إحْرَامٍ يَمْلِكُ تَحْلِيلَهُ مِنْهُ كَانَ إبْقَاؤُهُ فِيهِ كَإِذْنِهِ لَهُ فِيهِ ابْتِدَاءً.
(وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُ امْرَأَتِهِ مِنْ حَجِّ فَرْضٍ إذَا كَمَّلَتْ الشُّرُوطُ)؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ بِأَصْلِ الشَّرْعِ أَشْبَهَ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ أَوَّلَ الْوَقْتِ، (وَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ كَقَدْرِ نَفَقَةِ الْحَضَرِ)، وَمَا زَادَ فَمِنْ مَالِهَا (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ تُكَمِّلْ شُرُوطَ الْحَجِّ الْمَرْأَةُ (فَلَهُ) أَيْ: لِلزَّوْجِ (مَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْهِ وَ) مِنْ (الْإِحْرَامِ بِهِ) لِتَفْوِيتِهَا حَقَّهُ فِيمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهَا، وَ(لَا) يَمْلِكُ (تَحْلِيلَهَا) مِنْهُ (إنْ أَحْرَمَتْ بِهِ) لِوُجُوبِ إتْمَامِهِ بِشُرُوعِهَا فِيهِ.
(وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ: الزَّوْجُ (مَنْعُهَا) مِنْ الْعُمْرَةِ الْوَاجِبَةِ إذَا كَمَّلَتْ شُرُوطَهَا (وَلَا تَحْلِيلُهَا مِنْ الْعُمْرَةِ الْوَاجِبَةِ) إذَا أَحْرَمَتْ بِهَا، وَإِنْ لَمْ تُكَمِّلْ شُرُوطَهَا لِوُجُوبِهَا بِالشُّرُوعِ كَالْحَجِّ.
(وَحَيْثُ قُلْنَا لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا فَيُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَسْتَأْذِنَهُ) نَصَّ عَلَيْهِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، (وَإِنْ كَانَ) زَوْجُهَا (غَائِبًا كَتَبَتْ إلَيْهِ) تَسْتَأْذِنُهُ (فَإِنْ أَذِنَ) فَلَا كَلَامَ، (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ (حَجَّتْ بِمَحْرَمٍ) لِتُؤَدِّيَ مَا فُرِضَ عَلَيْهَا إذْ لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهَا بِعَدَمِ إذْنِهِ.
وَلَا يَجُوزُ لَهَا السَّفَرُ إلَّا بِمَحْرَمٍ أَذِنَ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ كَمَا يَأْتِي (يَأْتِي وَلَا تَخْرُجُ إلَى الْحَجِّ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ) لِوُجُوبِ إتْمَامِ الْعِدَّةِ فِي الْمَسْكَنِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ، وَلَا يَفُوتُ الْحَجُّ بِالتَّأْخِيرِ (دُونَ الْمَبْتُوتَةِ) أَيْ الْمُفَارَقَةِ فِي الْحَيَاةِ بَائِنًا فَلَا تُمْنَعُ مِنْ الْحَجِّ، (وَيَأْتِي فِي الْعَدَدِ) مُوَضَّحًا، وَالرَّجْعِيَّةُ حُكْمُهَا كَالزَّوْجَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَوْ أَحْرَمَتْ بِوَاجِبٍ فَحَلَفَ) زَوْجُهَا (بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّهَا لَا تَحُجُّ الْعَامَ لَمْ يَجُزْ أَنْ تُحِلَّ) مِنْ إحْرَامِهَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُبَاحٌ فَلَيْسَ لَهَا تَرْكُ الْفَرِيضَةِ لِأَجْلِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْصَرِ رَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى كَمَا لَوْ مَنَعَهَا عَدُوٌّ مِنْ الْحَجِّ إلَّا أَنْ تَدْفَعَ لَهُ مَالَهَا، وَنَقَلَ مُهَنَّا أَنَّ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ.
فَقَالَ: قَالَ عَطَاءٌ الطَّلَاقُ هَلَاكٌ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْصَرِ.
(وَلَيْسَ لِلْوَالِدَيْنِ مَنْعُ وَلَدِهِمَا مِنْ حَجِّ الْفَرْضِ وَالنَّذْرِ وَلَا تَحْلِيلُهُ مِنْهُ، وَلَا يَجُوزُ لِلْوَلَدِ طَاعَتُهُمَا فِيهِ) أَيٍّ فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ أَوْ التَّحْلِيلِ، وَكَذَا كُلُّ مَا وَجَبَ كَصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمَعِ وَالسَّفَرِ لِلْعِلْمِ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ فَلَمْ يُعْتَبَرْ إذْنُ الْأَبَوَيْنِ فِيهَا كَالصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي الْآدَابِ: وَظَاهِرُ هَذَا التَّعْلِيلِ: أَنَّ التَّطَوُّعَ يُعْتَبَرُ فِيهِ إذْنُ الْوَالِدَيْنِ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْجِهَادِ وَهُوَ غَرِيبٌ وَالْمَعْرُوفُ اخْتِصَاصُ الْجِهَادِ بِهَذَا الْحُكْمِ، وَالْمُرَادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: أَنَّهُ لَا يُسَافِرُ لِمُسْتَحَبٍّ إلَّا بِإِذْنِهِمَا كَسَفَرِ الْجِهَادِ، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ فِي الْحَضَرِ كَصَلَاةِ النَّافِلَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ إذْنُهُمَا وَلَا أَظُنُّ أَحَدًا يَعْتَبِرُهُ.
وَلَا وَجْهَ لَهُ، وَالْعَمَلُ عَلَى خِلَافِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَلَهُمَا) أَيْ: الْأَبَوَيْنِ (مَنْعُهُ مِنْ) الْحَجِّ (التَّطَوُّعِ وَمِنْ كُلِّ سَفَرٍ مُسْتَحَبٍّ كَالْجِهَادِ) أَيْ: كَمَا أَنَّ لَهُمَا مَنْعَهُ مِنْ الْجِهَادِ مَعَ أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ؛؛ لِأَنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ فَرْضُ عَيْنٍ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُسْتَحَبِّ وَعَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ، (وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُمَا تَحْلِيلُهُ) مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ لِوُجُوبِهِ بِالشُّرُوعِ فِيهِ (فِيهِ وَيَلْزَمُهُ طَاعَتِهِمَا فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَلَوْ كَانَا فَاسِقَيْنِ) لِعُمُومِ الْأَوَامِرِ بِبِرِّهِمَا وَالْإِحْسَانِ إلَيْهِمَا وَمِنْ ذَلِكَ طَاعَتُهُمَا.
(وَتَحْرُمُ طَاعَتُهُمَا فِيهَا) أَيْ: الْمَعْصِيَةِ لِحَدِيثِ «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ» وَلَوْ أَمَرَهُ وَالِدُهُ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ لِيُصَلِّيَ بِهِ إمَامًا مَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ (أَخَّرَهَا) وُجُوبًا لِوُجُوبِ طَاعَتِهِ وَتَقَدَّمَ.
(وَلَا يَجُوزُ لَهُ) أَيْ لِلْوَالِدِ (مَنْعُ وَلَدِهِ مِنْ سُنَّةٍ رَاتِبَةٍ) وَنَحْوِهَا مِنْ التَّطَوُّعَاتِ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ إلَى سَفَرٍ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْآدَابِ.
(وَلِوَلِيِّ سَفِيهٍ مُبَذِّرٍ تَحْلِيلُهُ) مِنْ إحْرَامِهِ (إنْ أَحْرَمَ بِنَفْلٍ وَزَادَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى نَفَقَةِ الْإِقَامَةِ وَلَمْ يَكْتَسِبْهَا) فِي سَفَرِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِ فَيُحَلَّلُ بِالصَّوْمِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ تَزِدْ نَفَقَتُهُ عَلَى نَفَقَةِ الْإِقَامَةِ أَوْ زَادَتْ وَاكْتَسَبَهَا فِي سَفَرِهِ (فَلَا) يَمْنَعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ إذَنْ.
(وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ: وَلِيُّ السَّفِيهِ الْمُبَذِّرِ (مَنْعُهُ مِنْ حَجِّ فَرْضٍ وَلَا تَحْلِيلُهُ مِنْهُ) كَصَلَاةِ الْفَرْضِ وَصَوْمِهِ، (وَيَدْفَعُ نَفَقَتَهُ إلَى ثِقَةٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ) فَيَقُومُ مَقَامَ الْوَلِيِّ فِي التَّصَرُّفِ لَهُ.
(وَلَا يُحَلَّلُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (مَدِينٌ) أَيْ: لَا يُحَلِّلُ الْغَرِيمُ مَدِينَهُ إذَا أَحْرَمَ لِوُجُوبِ إتْمَامِهِ بِالشُّرُوعِ، (وَيَأْتِي فِي) كِتَابِ (الْحَجِّ) وَالْعُمْرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ كَالْحَجِّ.